تقرير : سكان وادي غزة بين التصدي لسيول أمطار الشتاء والتعايش مع الملوثات

thumb-15

سلط مركز العمل التنموي/ معا، الضوء من خلال تقرير على الظروف الحياتية الصعبة التي يعايشها سكان وادي غزة صيفاً وشتاء ما يحيل حياتهم إلى عذاب لا متناهٍ، إذ بدأت الحكاية حين لجأ كثير من سكان القطاع إليه بعد تدمير بيوتهم جراء الحروب الإسرائيلية الأخيرة على غزة.

تشير معدة التقرير ماجدة البلبيسي أن المنطقة لا تحظى بخدمات جيدة فمياه الصرف الصحي الخاصة بالبيوت تُحوّل للوادي مباشرة، فيما تزود بعض البيوت بخطوط الكهرباء، وتقتصر خدمات البلدية في المنطقة على رش الحشرات مرة واحدة في الموسم، وهذا لا يكفي للقضاء على البعوض والقوارض، كما اتخذت معظم المناطق المجاورة من الوادي مكباً جديداً للنفايات السائلة والصلبة والحيوانات النافقة التي رصدتها كاميرا الجوال.

تتشابه معاناة الناس في المنطقة ولكنها تختلف تفاصيلها، فأسرة (أم محمد أبو عطيوى) التي تقطن المنطقة منذ عام (1948) رافقت تاريخ الوادي، حيث كانت رماله كالذهب والآن أصبحت أكلح من شدة السواد.

ستون فردا يقطن في بيت أم محمد يعيشون بين الخوف تارة من قصف الاحتلال للمنطقة التي عادة تكون أول أهداف “إسرائيل”، والخوف من الكوارث البيئية المتمثلة بفيضان الوادي بفعل مياه الامطار بعد فتح “إسرائيل” للسدود، حيث تغرق المنطقة بمياه الصرف الصحي.

المنسيون

المسؤولون لا يلقون بالاً لسكان المنطقة فنحن وفق وصف (أم محمد) المنسيون، “لا أحد يذكرنا إلا في حالة الكوارث، فُتسارع المؤسسات الدولية لتقديم المساعدات الإغاثية الآنية، وبعدها ينتهي كل شيء“.

تقول (أم محمد): “الحشرات، الزواحف والبعوض والروائح الكريهة كائنات حية تعيش معنا، لا تفارقنا، النزلات المعوية وتشققات الأقدام لدى الأطفال والنساء والفتيات، أعراض أصبحنا نراها ونعاني منها كأنها جينات وراثية، أو ضريبة السكن في منطقة الوادي“.

(أبو محمد) الرجل الستيني قدم مقترحا للمسؤولين من منطلق خبرة طويلة جمعها على مدار سنوات من عمله داخل الخط الأخضر وينتظر استجابتهم لها، ويتمثل المقترح في إقامة جسر أرضي تحت الوادي على عمق (4) متر بأرضية وسقف من الباطون لحجز المياه تتحكم به فتحة، أو إقامة ما يعرف بسلات من الزلط على أطرافه على غرار بركة الشيخ رضوان.

أهمية الوادي

يعتبر حوض وادي غزة من أكبر الأحواض المائية في فلسطين إذ تبلغ مساحته حوالي 3500 كم2، ويصل تصريفه المائي إلى ما يقارب 25 مليون متر مكعب من المياه.

تغطي منابع وروافد الوادي مساحة واسعة من النقب وجبال الخليل وتوجد في مجراه عدة ينابيع أهمها الشلالة والشريعة.

قبل عام (1948) تركزت أغلب التجمعات السكانية المقدر تعدادها 10000 نسمة في هذا الحوض نظراً لخصوبة الأراضي الزراعية حوله وتوفر المياه.  في الوقت الحالي أصبح وادي غزة من الأودية الجافة نظراً لإقامة السدود في مجراه في صحراء النقب.

آثار سلبية

وعن الآثار الصحية المصاحبة لمياه الصرف الصحي والفضلات، ترى المختصة في مجال الصحة يُسر الاطرش أن الفشل في معالجة المياه العادمة أو حتى السوء في ادارتها تؤدي الى الاثار السلبية على صحة الانسان والبيئة المحيطة، كون المياه العادمة والفضلات مسؤولة عن انتشار الكثير من الامراض ما لم يتم الإسراع في معالجتها، ومن المعروف أن المياه العادمة تحتوي على المُمرِضات، (Bacteria, Viruses Protozoa, Helminths) والتي تسبب العديد من الأمراض مثل الالتهابات المعوية وما يعقبها من تعقيدات في حال أصبحت مزمنة.

تضيف الأطرش: “قد تسبب الكوليرا والتيفويد -وفي حالة الاتصال المباشر للمياه العادمة- الديدان بأنواعها المختلفة، عدا الإسهال والحمى والزحار الأميبي ومشاكل في الجهاز التنفسي والتهاب العيون والتي يكون سببها فيروسي.

ولا تتوقف عند هذا الحد ففي أيام الصيف قد تكون المياه الراكدة بؤرة للحشرات الناقلة للأمراض.

وعن تأثير الروائح الكريهة المنبعثة من منطقة الوادي وهي عبارة عن كبريتيد الهيدروجين(H2S) الناتجة عن النشاط البيولوجي للمياه العادمة التي تنشأ من التحلل الطبيعي للمادة العضوية المحتوية عليه ومصدر التحلل هو البروتين الذي يتم تصريفه للنفايات على شكل أحماض أمينية غير مهضومة كجزء من البراز والبول وكجزء غير ثابت من بروتينات اليوريا.

وتضيف الأطرش في ذات السياق أن ملوثات الهواء والرائحة الكريهة تشكل مصدر إزعاج للناس وضرراً على المدى البعيد في حالة استمرار التعرض لها، ويمكن الجزم بأن حاسة الشم عند القاطنين أصبحت غير حساسة كونهم اعتادوا عليها.

أما عن تأثير حرق النفايات بشكل غير آمن وعشوائي، فتؤدي إلى ضيق في التنفس نتيجة عرقلة تزويد خلايا الجسم بالأكسجين وسعال وصداع كما يمكن أن يسبب هذا الدخان حرقة في العيون والحلق والأنف.

القانون الأساسي

تنص المادة (33) من القانون الأساسي الفلسطيني على أن “البيئة المتوازنة النظيفة حق من حقوق الإنسان، والحفاظ على البيئة الفلسطينية وحمايتها من أجل الأجيال والمستقبل مسؤولية وطنية“.

ومن الواضح، في نص المادة المذكورة، أن المشرع الفلسطيني قد أدرك، وبشكل كامل وواعٍ مدى أهمية البيئة النظيفة والمتوازنة لحياة الإنسان، فالبيئة النظيفة تعني إنسانًا لا يعاني من الأمراض السارية أو التي يمكن أن تنتج عن القضايا البيئية.

يقلل من المعاناة

رئيس بلدية وادي غزة سالم أبو عيادة قللَ من معاناة القاطنين حول الوادي، معتبراً أن شكواهم مبالغٌ فيها، حيث أن بلدية الوادي هي أكثر منطقة نفذت الكثير من المشاريع التطويرية، التي شملت شق طرق ومدارس وصرف صحي وشبكة كهرباء وغيرها.

وقال لآفاق أن بلديته -منذ أُنشأت عام 1996 بعد أن كانت لجنة مشاريع، ثم مجلس قروي إلى أن وصلت للمجلس البلدي- تخدم حوالي (5500) نسمة ومن المتوقع أن يصلوا إلى (10000) نسمة بعد مشاريع الاسكان التي تشهدها منطقة جحر الديك المتاخمة لمنطقة الوادي.

وفيما يتعلق باستعدادات البلدية لفصل الشتاء والتخوفات من حدوث فيضان الوادي بين أبو عيادة أنه جرى تشكيل لجان محلية للتعاطي مع أي كارثة قد تحل بسكان المنطقة، بحيث يتم نقلهم لأماكن آمنة وتقديم المساعدات الإغاثية لهم.

عن الجهود التي تبذلها البلدية للحد من الملوثات العضوية والنفايات التي تقذف في الوادي، يؤكد أن البلدية تقوم برش المنطقة بشكل دوري للقضاء على البعوض والحشرات، وقبل ثلاث سنوات قامت البلدية بوضع سياج من الشبك حول الوادي لمنع إلقاء النفايات، ولكنهم فوجئوا بعد فترة بسرقته واختفائه.

سلوكيات المواطنين

وحملَ أبو عيادة مشكلة النفايات الصلبة وغيرها إلى سلوكيات المواطنين من منطقة البريج الذي يلقون بالنفايات في أوقات المساء، ما يفاقم من معاناة الناس مسبباً لهم الأضرار الصحية، ولم تستطع البلدية بمفردها حلّ هذه المشكلة، وتتحمل سلطة جودة البيئة مسؤولية ذلك، حيث سبق وأن طرحنا مقترحًا لحل هذه المشكلة بتعيين حارس أو حارسين لمنطقة الوادي لمنع التعديات على البيئة. ولكن لم يتم الاستجابة لطلبنا.

وطمأن ابو عيادة المواطنين بأن هناك حلولاً للتعامل مع مياه الصرف الصحي عبر محطة معالجة مركزية جاري الانتهاء من انشائها، بحيث تضخ مياه منطقة الوادي إلى المحطة المركزية غرب محطة الكهرباء في مخيم النصيرات.

لا مشاريع تطويرية

مسؤول في سلطة جودة البيئة نفى وجود أية مشاريع تطويرية تستهدف محمية وادي غزة، وأن هذه المنطقة لم تشهد أي تطوير منذ عشر سنوات، وأن ما يجرى الحديث عنه هو انشاء محطة معالجة مركزية سبق الحديث عنها قديما، وهذا المشروع يحتاج من عامين إلى ثلاثة اعوام لتنفيذه بتمويل ألماني، ومن شأنه أن يخفف فقط من معاناة مياه الصرف الصحي وليس حلّ المشكلة جذرياً.

تحديد حرم الوادي

وحث أبو عيادة الجهات المسؤولة بضرورة الإسراع في تحديد حرم الوادي أو ما يعرف ” المحمية” لمنع أية انتهاكات أو تجاوزات على تلك المنطقة، خاصة وأنها منطقة حيوية وسياحية وتعتبر الوجه الحضاري للمدينة.

وأوصت دراسة سابقة للدكتور عبد الفتاح عبد ربه والدكتور كامل ضاهر حول المأساة البيئية لوادي غزة بعد ستين عاماً من النكبة” بضرورة سن القوانين والتشريعات للمحافظة على البيئة خاصة منطقة الوادي وتكثيف اهتمام سلطة البيئة بمنطقة الوادي وحمايته من التدهور المتزايد من سنة لأخرى، وحل مشكلة المياه العادمة بشكل نهائي وإبعادها عن منطقة الوادي، وزيادة مساحة المحمية الطبيعية لتصبح متنفساً للسكان.

الموقف الحقوقي

الباحث الحقوقي طلال أبو ركبة اعتبر أن الحق في السكن من الحقوق اﻷساسية التي وردت في العهد الدولي الخاص بالحقوق اﻻقتصادية واﻻجتماعية لعام (1966)، وهذا الحق يورد جملة من المسئوليات الواقعة على عاتق السلطة من ضمنها توفير بيئة آمنة صحيا للسكن مع كل ما يستلزمه ذلك من مرافق عامة.

وعقب انضمام فلسطين وتوقيعها على هذا العهد أصبح مناطا بالسلطة الفلسطينية العمل على توفير كافة الشروط الملائمة لهذا الحق، مبيناً أن هناك اشكالية تواجه القاطنين في منطقة وادي غزة، وأحد مؤشراتها التقصير في الاداء الحكومي تجاه هذا الحق نظراً لعدم ملاءمة المنطقة للسكن نتيجة تعرضها للفيضانات من جهة، وللتلوث البيئي من جهة اخرى بفعل الممارسات الإسرائيلية في التعامل مع المناطق الحدودية.

وختم أبو ركبة: “على السلطة أن تعد خطة استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار مدى ملاءمة المناطق للسكن قبل منح التراخيص للبناء، ومن ثم لا بد من تحديد الاماكن وفق ما يقتضيه الحق في السكن، وذلك من جملة حقوق أخرى كالحق في الصحة العامة وبيئة نظيفة خالية من المكاره الصحية.”