سوريا بحضور الرؤية الغربية و غياب الرؤية العربية

ينقسم العالم حول النقاش الملتهب المتعلق بالضربة الأمريكية لسوريا (أهدافاً ودوافع ونتائج) إلى رافضين للضربة أو محذرين من تداعياتها أو مهددين برد مزلزل أو متحمسين لها ومحرضين عليها، ويضم معسكر المتحمسين دول الخليج العربي والأردن واسرائيل ومنظمة اللوبي الصهيوني في أمريكا “الايباك” وأصدقاء اسرائيل في مجلسي الشيوخ والنواب، ديمقراطيين وجمهوريين، إضافة الى فرنسا وتركيا.

وتكفى نظرة عابرة غير متفحصة لمعسكر المتحمسين أن تثير في نفس أي مواطن عربي (بغض النظر عن موقفه من نظام بشار ومما يحدث في سوريا من استباحة مجنونة لدماء الأبرياء وأعراضهم وأماكن سكنهم ومصادر رزقهم) حالة من الاستنكار الشديد والريبة والقلق على المستقبل الذي يمكن أن يرسمه هؤلاء لسوريا، ولا شك أنه (أي المواطن العربي) سيجد نفسه فاغراً فاه يتمتم سائلاً نفسه: أيعقل أن يصطف العربي مع عدو أمتنا التاريخي في ضرب وتمويل العدوان على بلد عربي أو حتى نظام عربي طاغٍ ومستبد؟!

المؤامرة على سوريا
المؤامرة على سوريا

اسرائيل وحلفائها في أمريكا وفي الدول الرأسمالية الغربية لهم دوماً في العدوان على أي بلد عربي أهداف ومصالح، وفى مقدمة هذه الأهداف والمصالح ضمان أمن اسرائيل وتعزيز وجودها كالدولة الاقليمية الأقوى في الشرق الأوسط، الأقوى عسكرياً وتكنولوجياً واقتصادياً وذات التفوق النوعي الهائل الذى يصعب جسر هوته بما لا يحفظ أمنها ووجودها فحسب، بل وصولاً الى الغاية التي عبر عنها شمعون بيرس، أي قبولها في المنظومات والهياكل السياسية والأمنية والاقتصادية كدولة متنفذة في الشرق الأوسط الجديد، هذا الشرق الأوسط الجديد الذى رسم سياساته في أروقة البيت الأبيض إبان عهد المحافظين الجدد (بوش الابن وديك تشيني ورامسفيلد)، وحددت كونداليزا رايس آليات الوصول إليه عبر ما أسمته بالفوضى الخلاقة.

الشرق الأوسط الجديد هو توصيف ديبلوماسي جذاب وبراق ومقنع لسايكس بيكو 2 الذي بدأ به في العراق وليبيا والسودان، وانتقل الى سوريا ولبنان ولن يتوقف فيهما، سايكس بيكو يعيد انتاج وصياغة الانتماءات والولاءات على أسس دينية ومذهبية وطائفية وعرقية، تعزز عصبويات الفسيفساء المجهرية، مغيبة الدور الرئيسي والتاريخي للهوية العربية باعتبارها الهوية الجامعة للعرب جميعاً، بغض النظر عن الهويات الدينية والمذهبية.

ان سقوط الدولة السورية واعادة تقسيمها بين علويين وسنة وأكراد ودروز ومسيحيين، وجعلها ساحة أخرى من ساحات الصراع والاقتسام لدول الاقليم وللدول الكبرى يجعل اسرائيل تحقق أكثر من هدف استراتيجي سعت إليه طويلاً، يكمن الأول في القضاء على ما كان يوصف اسرائيلياً بالتهديد السوري وكسر حلقة مركزية من حلقات المقاومة والممانعة، بما يسهل إضعاف وتطويق تنظيم حزب الله، ويعزل ايران ويحد من نفوذها، ويمكن ربما من احتواء ما تشكله من تهديد بما يجبرها على الاختيار بين التراجع عن برنامجها النووي أو مواجهة القبضة الأمريكية.

ويندرج في هذا الإطار أيضاً تعزيز السيطرة الإسرائيلية على هضبة الجولان المحتلة، وتعزيز قدرات الردع الإسرائيلية كنتاج مباشر عن الخلل في ميزان معسكر قوى المقاومة.

أما الهدف الثاني بعيد المدى وهو الأكثر خطورة استراتيجياً، فيكمن في تعزيز الانقسامات السورية الداخلية في حال سقوط  نظام بشار الأسد، بما يؤدى استحالة التعايش الكلي للمجتمع السوري الموحد، وتشجيع النزعات الانفصالية، بل والتحريض عليها، وفى إطار هذه الترتيبات سربت اسرائيل بعض مخططاتها لما بعد سقوط نظام بشار، التي بينت سعى اسرائيل على مسارين مكملين لبعضهما البعض؛ اقامة كيان دويلة درزية، بالإضافة لإقامة حزام أمني، ونعتقد أن اسرائيل ستشجع على التحاق أكراد سوريا بدولة كردستان التي تربطها بإسرائيل علاقات عميقة ووثيقة.

اسرائيل عادة ما تكون حاضرة الخطط والبرامج، وقد ظهر هذا الأمر جلياً في الدور الاسرائيلي في انفصال جنوب السودان، فما ان أعلن عن قيام دولة جنوب السودان حتى ظهرت للعلن العلاقات السرية التي ربطت حركات تمرد الجنوب السوداني مع دولة اسرائيل.

في ظل البدائل الإسرائيلية والغربية لليوم الذي يتلو رحيل نظام الأسد، فأين هي البدائل العربية؟ وما هي بدائلهم؟ وما طبيعتها؟ وهل يملكون حقاً رؤية وبدائل؟ أم أن خططهم وبرامجهم تقتصر فقط في التمويل وتقديم كل أشكال الدعم والاسناد في حرب مجنونة تدمر سوريا وتمزقها تحت عنوان إسقاط نظام الأسد دون التفكير بمستقبل سوريا بعد الأسد؟ الأمر الذى يولد كثيراً من الشك حول دوافعهم من وراء دعم الحرب ضد نظام الأسد، دوافع ليس لها علاقة بمحاربة نظم الاستبداد والديكتاتورية ونشر قيم العدالة والديموقراطية مع استمرار المحافظة على دور سوريا العروبي، وإنما دوافع لها علاقة بخصومات وتصفية حسابات وانتقامات ثأرية بغيضة، وتواطؤ مع الذي كان عدواً لهم قبل أن يستبدلوه بعدو آخر أسموه خطر شيعي أو نووي إيراني، ولسان حالهم ربما يقول “فلتذهب سوريا الى الجحيم الذي سبقتها اليه العراق”.

إننا نخشى أن يكرر العرب تجربتهم مع العراق مرة أخرى في سوريا، فبعد أن ساعدوا في حشد الجيوش ومولوا الحرب على العراق تركوه ينزف دون أي مساعدة، تركوه عرضة للإرهاب ولكل طامع، عرضة للتقسيم ولنهب خيراته، تخلوا عنه دون أدنى إحساس بالمسؤولية تجاه مستقبل بلد عربي عريق يتعرض لكل ويلات الاحتراب الداخلي والتقسيم المذهبي والعرقي، فتوقفت برامجهم فقط عند التخلص من صدام حسين حتى لو بكلفة خسارة العراق، وربما هذه ما سيتكرر مع سوريا للأسف الشديد.