سلبيات ومخاطر الضخ المتزايد للمياه العادمة غير المعالجة لبحر غزة

يعاني قطاع غزة منذ عقود من أزمات بيئية متعددة يقف على رأسها تفاقم مشكلة معالجة المياه العادمة (Wastewater) و تردي الحالة الصحية للخزان الجوفي الساحلي (Coastal Aquifer) كما و نوعا بالإضافة إلى سوء إدارة النفايات الصلبة (Solid Waste Management)، مما يجعل قطاع غزة من أكثر مناطق ترديا للوضعين البيئي و الصحي على حد سواء في ظل تزايد السكان (1.8 مليون نسمة) و محدودية الأرض (365 كيلومتر مربع) و تردي و شح المصادر الطبيعية، و بالطبع فإن البيئة البحرية (Marine Environment) التي تعد متنفسا وحيدا لسكان قطاع غزة ليست بمعزل عما يصيب البيئة الغزية العامة من ويلات، بل غالبا ما تكون البيئة البحرية انعكاسا لما يحدث في بيئة قطاع غزة بشكل عام.

مشكلة المياه في غزة
مشكلة المياه في غزة

يعاني قطاع غزة منذ سنوات من حصار إسرائيلي (Israeli Blockade) غاشم أصاب كافة مناحي الحياة الفلسطينية بالشلل و عانى على إثره سكان القطاع شر معاناة، و قد ازدادت حدة المعاناة في الأشهر الأخيرة بعد الأحداث المصرية و ردم الأنفاق – التي كانت بمثابة شريان حياة للغزيين – من قبل السلطات المصرية و الانقطاع المتكرر للكهرباء و شح و نفاذ الوقود مما أصاب عجلة الحياة الغزية بالكساد، فتعطلت حركة المواصلات تدريجيا و أصاب قطاع الخدمات الصحية و البيئية الضرر الكبير بسبب الانقطاع المتزايد لكافة أشكال الوقود و تردي الإمدادات الكهربائية للمنازل و المحال التجارية و القطاعين العام و الخاص.

و بسبب أزمة الوقود و تردي كفاءة محطات معالجة المياه العادمة (Wastewater Treatment Plants) مع اشتداد الحصار الاسرائيلي، بدأت التحذيرات تتبارى في وسائل الإعلام المختلفة بشأن ما قد تعانيه البيئة البحرية في قطاع غزة من ويلات جسام نظرا لتدفق كميات هائلة و ضخمة من المياه العادمة غير المعالجة (Untreated Wastewater) القادمة من محطات المعالجة المنتشرة في قطاع غزة بعد استفحال أزمات تشغيلها نظرا لانعدام الوقود اللازم لتشغيل تلك المحطات و عدم توفر معدات الصيانة اللازمة لها مع العلم بأن تلك المحطات تستقبل كميات كبيرة من المياه العادمة يوميًّا تفوق قدرتها الاستيعابية.

لقد أفادت الأنباء في هذه الأثناء بأن بلديات قطاع غزة قد بدأت بالفعل بضخ المياه العادمة في مياه البحر المتوسط بعد توقف تشغيل محطات الصرف الصحي لعدم توفر الوقود و إن الزائر لبؤر تفريغ المياه العادمة في البحر سيجدها قد ضاقت ذرعا بالكميات المهولة من المياه العادمة التي تقذف بها حاليا في البيئة البحرية … تلك البيئة التي تعاني من مشكلات جمة منها محدودية منطقة الصيد السمكي و الصيد السمكي الجائر (Overfishing) و التصحر البحري و التلوث الميكروبي (Microbial Contamination) جراء المياه العادمة و انجراف الساحل (Coastal Erosion) و التعديات السكانية على الشاطئ و سوء إدارته و الملاحقات و الاعتقالات المستمرة للصيادين من قبل الطرادات البحرية الإسرائيلية.

في الأوضاع العادية، تقوم محطات معالجة المياه العادمة في غزة و خانيونس و رفح بضخ معظم المياه المعالجة جزئيا (Partially Treated Wastewater) فيها في البيئة البحرية حيث تهدف المعالجة الجزئية للمياه العادمة المنتجة في قطاع غزة عادة إلى التخفيف من حدة الضرر الذي قد يفرضه ضخها على البيئة البحرية في حال عدم معالجتها، إلا أن تلك المعالجة الجزئية ستتوقف حتما بسبب أزمة الوقود التي يمر بها قطاع غزة في هذه الأثناء.

تحمل المياه العادمة عادة تشكيلة من الملوثات التي تؤثر سلبا على صحة النظام البيئي البحري (Marine Ecosystem) و من ثم صحة الإنسان، و تتعدد التأثيرات المتوقعة لتزايد ضخ المياه العادمة غير المعالجة في البيئة البحرية لقطاع غزة بسبب أزمة الوقود الحالية و اشتداد الحصار لتشمل:

· تشكل المواد العضوية المتحللة (Decaying Organic Matter) و الفضلات (Debris) التي تتضمنها المياه العادمة و لاسيما غير المعالجة خطرا محدقا بالحياة البحرية نظرا لاستنفاذها للأكسجين المذاب (Dissolved Oxygen) في المياه الساحلية لقطاع غزة (الفقيرة أصلا في الإنتاج السمكي) و بالتالي سيصعب على الأسماك و الأحياء البحرية الأخرى العيش في مثل هذا النوع من التلوث البحري.

· قد تجد بعض مواد النفايات الصلبة المنسابة في المياه العادمة غير المعالجة (كما يحدث في المياه العادمة القادمة من وادي غزة إلى البيئة البحرية) طريقها إلى البحر فتلوث البيئة البحرية و ربما تسبب انسدادا في خياشيم الأسماك البحرية فتهلكها. جدير بالذكر أن بعض النفايات البلاستيكية (النايلون) قد تبتلع بواسطة كائنات بحرية معينة مثل السلاحف البحرية (Sea Turtles) ظنا منها بأنها قناديل بحرية (Jellyfish) فتسبب لها اختناقا و تقتلها، مع العلم بأن السلاحف البحرية مهددة بالاختفاء في شتى أنحاء العالم و هي العدو اللذوذ للقناديل البحرية التي تسود و تنتشر في أشهر الصيف في البيئة البحرية لقطاع غزة و تسبب إصابات بين المستجمين و السابحين.

· تتسبب التركيزات المرتفعة من المغذيات كالفوسفور و النيتروجين بما فيها الأمونيا في ظاهرة الإثراء الغذائي أو اضطراد النمو البيولوجي (Eutrophication) التي تعتبر سامة للأحياء البحرية، و تقلل من الأكسجين المتاح لها، و تزيد من نمو النباتات و الطحالب البحرية، و تدمر أرضيات التزاوج، و تغير من طبيعة الموائل البيئية (Ecological Habitats) و من ثم تقود إلى هلاك العديد من الأنواع البحرية الحساسة. في الواقع، تعتبر هذه الظاهرة من أهم المخاطر التي تفرضها المياه العادمة على البيئات الساحلية و لعل التخفيف الحقيقي من حدتها يكمن في معالجة المياه العادمة و قذفها عبر أنابيب (Outfalls) مصممة جيدا لتضمن معدلات عالية من التخفيف لها.

· تحتوي المياه العادمة على معدلات عالية من البكتيريا (Bacteria) و الفيروسات (Viruses) و الكائنات الممرضة (Pathogenic Organisms) الأخرى التي تلوث البيئات البحرية و الساحلية و بالتالي تقلل من فرص الاستجمام (Recreation) و النشاط السياحي للإنسان، مع العلم بأن البيئة البحرية في قطاع غزة هي المتنفس الوحيد للسكان.

· قد تحتوي المياه العادمة المنتجة في قطاع غزة على نسب متفاوتة من المعادن الثقيلة (Heavy Metals) كالرصاص و الزئبق و الكادميوم و غيرها و هذه المواد تمتلك تأثيرات سامة حادة أو مزمنة للأنواع البحرية. جدير بالذكر أن قطاع غزة ليس بلدا صناعيا و من ثم فإن حدوث مثل هذه المعادن في المياه العادمة ينتابه الشك.

· تتأثر صحة الإنسان من المياه البحرية الملوثة جراء السباحة و الشرب و تناول الأغذية البحرية الملوثة (Contaminated Marine Foodstuffs).

في الختام، إن استمرار أزمة نقص الوقود وانقطاع التيار الكهربائي في قطاع غزة تفرض تداعيات وتأثيرات خطيرة على الصحة العامة و الأمن الغذائي و صحة النظام البيئي البحري، و عليه فإنه من الضرورة بمكان العمل على ضرورة توفير كافة أشكال الوقود لينعم الغزيون بمتطلبات حياتهم الأساسية و ليحافظوا على بيئتهم البحرية على نحو مستدام.