حماس و صراع الخنادق و الفنادق

حماس و الخلافات الداخلية
اسماعيل هنية و خالد مشعل

ماذا يدور في أوساط حركة “حماس”؟ وما حقيقة التقارير المتواترة حول الخلافات والصراعات التي تعتمل في قلب الحركة الإسلامية الفلسطينية، وجناحيها السياسي والعسكري، على خلفية الانتقال الدراماتيكي من ضفة التحالف مع سورية وإيران و«حزب الله» إلى ضفة «الإخوان المسلمين» وأنظمتهم السياسية المستجدة وحلفائهم الإقليميين، وتداعيات هذا الانتقال، سياسياً وعسكرياً وأمنياً على الحركة وقياداتها السياسية التي تقاسمت التموضع في بعض «الأقفاص الذهبية» بعيداً من الجغرافيا المتاخمة لفلسطين المحتلة؟ وأخيراً، هل لدى الحركة التي حملت على أجنحة مقاومة الاحتلال، قبل أن ينغمس قادتها في مشروع «الإخوان» الإقليمي والدولي، ويستمرئون السلطة والجاه والامتيازات وحياة الفنادق، القدرة والإمكانية على إعادة التخندق في مشروع المقاومة والتحرر الوطني، أم سيبدأ خريف أحزاب وحركات «الإسلام السياسي» التي ألقت القبض على مقاليد السلطة في عدد من الدول العربية، بالحركة التي سبقت شقيقاتها الأخريات في حصد أكثرية تشريعية توجتها بانقلاب عسكري أخرج قطاع غزة، مؤقتاً، من المعادلة الوطنية السياسية الفلسطينية باتجاه مشروع الإمارة المرتبطة بـ«الإخوان» الأشقاء في مصر»؟

المعلومات التي سربتها بعض أوساط «حماس»، تفيد بأن الحركة التي كان لها وجه مقاوم منذ عام 1987 وحتى العام 2000، ولبست وجه الانقسام المدمر في عام 2007، وغيَرت الوجهة والتوجه في عام 2011، تعبر اليوم نحو مرحلة نوعية جديدة في تاريخها عنوانها البحث عن ملاذ آمن جديد بعد الخروج من دمشق، وانحسار القدرة على التأثير، وتذبذب البوصلة الوطنية والسياسية، وانعدام اليقين حيال الخيارات السياسية والعسكرية والتحالفات الداخلية والعربية والإقليمية، تحت ظلال التمسك «اللفظي» بالمقاومة، في مقابل العض بالنواجذ على الهدنة التي تم التوصل إليها مع إسرائيل بعد الحرب الأخيرة على قطاع غزة. ولعل الأبرز في الهزات الارتدادية التي خلَفها تموضع «حماس» السياسي والجغرافي الجديد، هو انهيار معادلة العلاقة مع محور المقاومة في المنطقة (سورية، إيران، و«حزب الله»)، ليس فقط بسبب خطبة القرضاوي الشهيرة في الدوحة التي دعا فيها القوات الغربية إلى غزو سورية «لإنقاذ الشعب السوري»، بعد أن هاجم بعنف، وبحضور رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» خالد مشعل، إيران و«حزب الله»، وإنما كذلك بسبب مشاركة أعضاء من «حماس» في معركة القصير ضد الجيش السوري، وإصرار دمشق وحلفائها على قطع كل صلة بـالحركة لأسباب سياسية وأمنية.

ومع أن لسورية وحلفائها الإقليميين العديد من الأسباب والحيثيات والمبررات التي تشرح وتفسر «الطلاق البائن» مع الحركة الإسلامية الفلسطينية التي اعترف رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل بأن الانسحاب من دمشق لم يكن بسبب ما أسماه «الضغوط السورية» على حركته فقط، وإنما جاء أيضاً استجابة لطلب جماعة «الإخوان المسلمين»، غير أن ما حدث ساهم، وبفعالية كبيرة، في تظهير الخلافات العميقة والواسعة ما بين الجناحين السياسي والعسكري لـ«حماس»، وفي أوساط المكتب السياسي والقيادة التنفيذية، وما بين بعض قيادات الخارج والداخل، وخاصة بعد قطع الجمهورية الإسلامية في إيران، ووفق ما أشارت صحيفة «ديلي تلغراف» اللندنية، جزءاً كبيراً من دعمها المالي المقدم للحركة، والذي يصل إلى نحو 15 مليون جنيه إسترليني شهريا، ومواجهة مصاعب أمنية غير مسبوقة في لبنان نتيجة رفع غطاء «حزب الله» الأمني عن المئات من كوادر ومكاتب «حماس»، والطلب من الأخيرة مغادرة عناصرها المربع الأمني لـلحزب بالضاحية الجنوبية في بيروت، لأسباب أمنية بالأساس، وهو ما تم بالفعل.

ويبدو أن الأبرز في عناوين الخلاف المستحكم، والذي لم يعد بالإمكان حجبه أو التستر عليه، كما كان يحدث في السابق، يتعلق بشكل وطبيعة علاقة قيادة الحركة بدولة قطر التي تنصَب نفسها كسيدة تتحكم بكل فروع «الإخوان المسلمين» في المنطقة، وتأثير ذلك في نهج المقاومة الذي تتمسك به «كتائب القسَام» وأوساط واسعة في «حماس»، وعلى تحالفات الحركة العربية الإقليمية. ووفق الجناح المعارض لسياسة «حماس» الرسمية التي يمثلها رئيس المكتب السياسي خالد مشعل الذي يعيش في الدوحة منكفئاً على نفسه وجماعته التي تشعر أنها معزولة، وتحت الرقابة الدائمة والدقيقة، فإن عملية نقل البندقية من كتف إلى كتف، والارتماء في أحضان بعض الدول العربية التي لم تتورع عن إهداء الإدارة الأميركية «مكرمة» القبول بتبادل الأراضي مع الكيان الصهيوني، أفقد «حماس» المصداقية والشعبية التي كانت تتمتع بها في أوساط الفلسطينيين والعرب.

وعلى رغم أن القيادة الرسمية لـ«حماس» التي يهددها المعترضون، في المكتب السياسي والقيادة التنفيذية، بالاستقالة في حال عدم تمكنها من تجاوز هذا المأزق، والتي تعاني صداعا إضافيا، من نوع آخر، له علاقة بالفلتان الأمني في سيناء، وبالاتهامات الموجهة لـ«حماس» برعاية وتوجيه العديد من المجموعات المسلحة المتطرفة هناك، تقرَ وتعترف، بعمق المأزق الذي أوقعت نفسها، والفلسطينيين فيه، إلا أنها، وفي إطار بحثها عن حلول معقولة، تجد ذاتها بصدد الدخول في متاهة جديدة بعد تنامي اليأس من نجاح الوساطة التي تقوم بها حركة «الجهاد الإسلامي» مع طهران و«حزب الله» لإصلاح ذات البين مع «حماس»، وانغلاق أبواب عمان والخرطوم أمام خالد مشعل والمكتب السياسي للحركة، وانشغال أنقرة التي كان يعول عليها الكثير بالتظاهرات والاعتصامات التي باتت تعم معظم المدن والمحافظات التركية.

بقلم : مأمون الحسيني