عريقات و طواحين الهواء … رامز مصطفى ابو عماد

المفاوضات بين الجانبين «الإسرائيلي» ومنظمة التحرير ومع اقترابها من دخول شهرها الثاني بدأ طرفاها الصراخ كلّ على طريقته والمؤكّد أن الطرف «الإسرائيلي» يوظف كل شيء من أجل فرض وقائعه على كل العناوين التي تجري المفاوضات حولها: في القدس واللاجئين والحدود والأمن والمياه والأسرى. بهدف تفريغها من مضامينها الجوهرية وإفقادها قدسية التمسك بها على اعتبار أنها ثوابت المفاوض الفلسطيني.. ولكن!!!. أما الطرف الفلسطيني فصراخه على طريقة «كمن خسر كل شيء على طاولة القمار ويقول سرقوني». 
فطرفا المفاوضات يشهران الاتهامات بوجه بعضهما البعض أمام الراعي والآمر الأميركي حيث الطرف الفلسطيني يتهم «الإسرائيلي» على أنه لا يقدم شيئاً حتى الآن وهو يماطل لكسب المزيد من الوقت. والطرف «الإسرائيلي» يتهم الفلسطيني أنه يسرّب ما يجري داخل غرف المفاوضات إلى خارجها. والراعي الأميركي يحثّ مجدداً الطرفين على ضرورة إبداء وإظهار الإرادة السياسية حول المفاوضات التي يؤكد الوزير كيري أن الطرفين قد جددا الالتزام بها من أجل إنجاحها. 

عضو المكتب السياسي و مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة في لبنان رامز مصطفى ابو عماد
عضو المكتب السياسي و مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة في لبنان رامز مصطفى ابو عماد

ولكن المفارقة أن المفاوض الفلسطيني وفيما يشتكي من عدم توفر الجديّة لدى المفاوض « الإسرائيلي « يخرج علينا كبير مفاوضي المنظمة والسلطة صائب عريقات ومن خلال دراسة ضمّنها الأسباب التي وقفت وراء عودة الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات. بخطوة أقل ما يقال فيها أنها الاستخفاف بعقول الفصائل والشخصيات الفلسطينية المفترض أنها الشريك في منظمة التحرير وبعضها الآخر الشريكة في السلطة الفلسطينية. ففي قراءة سريعة لهذه الأسباب التي أستطيع وصفها أنها «الشيك من دون رصيد» بمعنى أن ليس لهذه الأسباب من سند يؤكد وجودها أصلاً والممارسات «الإسرائيلية» تنفيها ونرى أكثر من مسؤول فلسطيني يؤكد ذلك وليس أخر هؤلاء الدكتورة حنان عشراوي كما صرّحت لإحدى القنوات الفضائية. 
وسنسمح لأنفسنا أن نطلق على هذه الأسباب عنوان هو «عريقات… وطواحين الهواء». وعلينا أن نعمد إلى تشريح هذه الأسباب حتى لا يتم تمريرها علينا بهذه البساطة والاستخفاف وكما وردت في دراسة عريقات :- 
اولاً : تحديد سقف زمني للمفاوضات 6 – 9 أشهر. 
ثانياً : الإفراج عن الأسرى الذين اعتقلوا قبل نهاية العام 1994 على أربع دفعات 
ثالثاً : نبذ الحلول المرحلية والانتقالية. 
رابعاً : حصلنا على مرجعية خطية تؤكد على أن مرجعية عملية السلام تتمثل بتحقيق الدولتين على حدود 1967 مع تبادل أراض متفق عليه. 
خامساً : جدول الأعمال يشمل جميع قضايا الوضع النهائي من دون استثناء القدس الحدود المستوطنات اللاجئين المياه الأمن الأسرى . 
سادسا : أكدت الإدارة الأميركية أنها تعتبر الاستيطان غير شرعي وأنها سوف تعمل على الحد من النشاطات الاستيطانية إلى الحد الأقصى ورفضنا ذلك وأكدنا أن جميع الأعمال الاستيطانية الإسرائيلية غير شرعية ولاغيه وباطلة وأكدنا على وجوب وقف كل النشاطات الاستيطانية. 
سابعاً : دعم روسيا والصين واليابان ودول آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية والأمم المتحدة لاستئناف المفاوضات والتأكيد على مرجعيات عملية السلام والقانون الدولي وعلى وجوب إقامة دولة فلسطينية بعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وحل كل قضايا الوضع النهائي من دون استثناء. 
ثامناً : دعم الدول العربية بالإجماع لاستئناف المفاوضات. 
تاسعاً : صدور توجهات الاتحاد الأوربي بشأن الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة كافة الضفة الغربية والقدس الشرقية والجولان العربي السوري المحتل وتم ذلك بالتنسيق مع القيادة الفلسطينية وطلب الاتحاد الأوروبي منا الموافقة على استئناف المُفاوضات مؤكدين أن توجهاتهم تجاه الاستيطان سوف تدخل حيز التنفيذ من 1 1 2014. 
وعلى الرغم من المواقف المعلنة للفصائل والشخصيات بما فيها من حركة فتح في رفضهم لاستئناف المفاوضات على اعتبار أنها تمثل تراجعاً عن الثوابت المتفق عليها وتالياً ليس هناك من ضمانات أميركية خطية أو معلنة. هذه المواقف تمثل دحضاً فاضحاً لما ورد في رسالة عريقات. تأتي حكومة نتنياهو بممارساتها اليومية في العمل على تقويض عناوين القضية الفلسطينية وتفريغها من مضامينها وجوهرها من خلال اندفاعه في تهويد القدس والمسجد الأقصى واقتحامه قبل أيام وأكثر من ذلك فمفوض شرطة الاحتلال « يوحنان دانينو « أكد موافقة الشرطة على دخول اليهود إلى المسجد الأقصى بصفته ساحات جبل الهيكل لأنه « حق مضمون لليهود لا يحتمل النقاش « فيما أكدت رئيسة اللجنة البرلمانية « ميري ريغيف « أن «منع اليهود من الصلاة على جبل الهيكل هو تمييز لا يمكن احتماله وخرق لحرية العبادة «. واستمرارها في تشريع الاستيطان وتسريعه بمئات بل بآلاف الوحدات الاستيطانية وعلى سمع وبصر الوزير كيري الذي طالب الاتحاد الأوروبي في جولته الأخيرة بضرورة تأجيل حظر مزمع على المساعدات المالية الأوروبية للمؤسسات «الإسرائيلية» وعلى خلفية الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة ما يؤكد أن الاعتراض الأميركي في هذا السياق لا يعدو كونه شكلياً. والحديث المتكرر لقادة الكيان والأحزاب اليمينية المتطرفة وضمنها المؤتلف في حكومة نتنياهو عن عدم إمكانية تحقيق حل نهائي كنتيجة للمفاوضات الدائرة الآن بل ما هو متاح هو اتفاق مبادئ وهذا ما ورد على لسان «تسيبي ليفني ومستشارها السياسي تال بكار « في أكثر من مناسبة حيث عزيا الأمر للخلافات الجوهرية مع الطرف الفلسطيني. أما الحديث عن الأسرى في سجون الاحتلال فقد ربط «الإسرائيلي» سلفاً الأمر بتقدم عملية المفاوضات ولأجل ذلك كانت الدفعة الأولى من الإفراج عن 26 أسيراً في خطوة تضفي على سلوك المفاوض الفلسطيني المصداقية في التمسك بثوابت العودة للمفاوضات. أما اعتبار الدكتور عريقات أن مواقف الدول العربية والدولية الداعية والداعمة لاستئناف المفاوضات فهي مواقف تقليدية لا تقدم إضافات يمكن أن يوظفها المفاوض الفلسطيني لصالحه وهو الذي في الأساس كان ولا يزال مصراً على التخلي عن كل أوراق وأسباب القوة. بل إن مواقف الكثيرين من هذه الدول وتحديداً العربية منها تلعب دوراً لصالح ممارسة الضغوط على المفاوض الفلسطيني لتقديم المزيد من التنازلات المجانية للمحتل «الإسرائيلي» على حساب حقوقنا وثوابتنا.