لماذا يهاجر الإسرائيليون إلى برلين؟

شكَّلت الأرقام التي كشف عنها تقريرٌ أعدته القناة العاشرة حول نسبة الهجرة المعاكسة في اسرائيل، صدمة كبيرة في المجتمع الاسرائيلي وسط دعواتٍ لمعالجة هذه الظاهرة في أسرع وقت تخوفاً من تداعياتها.
هجرة يهود إلى مواطنهم الأصلية

تكشف معطيات إسرائيلية جديدة عن هجرة أعداد كبيرة من الشباب الإسرائيليين إلى ألمانيا، وتحديدا لعاصمتها برلين بحثا عن مصادر دخل وحياة أكثر راحة دون اهتمام ‘بالقيم الصهيونية’.وتثير المعطيات جدلا صاخبا في إسرائيل، حيث شنت أوساط حملات قاسية على من وُصفوا بأنهم ‘يتنازلون عن الوطن ويهربون لألمانيا بالذات كونها موطن النازية والمحرقة’.وتفيد دراسات أكاديمية ومعطيات رسمية أنه منذ 1990 الهجرة في إسرائيل سلبية، وفي السنوات الأربع الأخيرة يغادر 26 ألف إسرائيلي كل عام.

شبح الغلاء

ووفق مكتب الإحصاء المركزي بإسرائيل، فإن معظم المغادرين (نحو ستمائة ألف مهاجر) من الشباب والأكاديميين ممن يبحثون عن فرص للتعلم والعمل خاصة بألمانيا وكندا وأستراليا والولايات المتحدة.
ويؤكد الممرض الإسرائيلي المختص بالتدليك إيلان شلايسنر (39 عاما) المقيم في برلين أن الحالة الأمنية وتحول إسرائيل لدولة احتلال عنصرية تزعجه جدا، لكن هجرته إلى برلين سببها اقتصادي بالأساس.
ويستذكر، في مكالمة هاتفية مع الجزيرة نت، الغلاء الفاحش في إسرائيل، لافتا للحالة المعيشية القاسية التي عاشها في تل أبيب حتى العام الماضي رغم أنه كان يعمل وزوجته الممرضة. ويتابع ‘هاجرت قبل عام ونصف العام من أجل مستقبل أفضل لي ولطفلتيْ أيضا’.
ويوضح أن عشرات الآلاف من الإسرائيليين يقيمون في برلين اليوم ويعملون بمختلف قطاعات الخدمات والأعمال الحرة، منوها إلى أن برلين توفر العمل والعيش الكريم، والمواصلات فيها مريحة ورخيصة.

المهاجرون الجدد

وتكشف القناة الإسرائيلية العاشرة في مسلسل برامج بعنوان ‘المهاجرون الجدد’ أن متوسط أعمار الإسرائيليين المغادرين يبلغ 28 عاما.
ويقول معد البرنامج متان حودروف ‘الصهيونية باتت عبئا على الإسرائيليين وعقابا جماعيا لهم’ لافتا إلى أن ‘الهجرة الاقتصادية وليدة عدة عوامل من النوع الذي يدفع الأشخاص لإحراق أنفسهم’.
وأوضح حودروف، في حديثه للجزيرة نت، أن الهجرة تنتج من حالة حصار خانقة يستنتج فيها الإسرائيلي بأنه من الصعب الحصول على تعليم عال وعلى شقة وأن تربية أطفاله هنا مكلفة جدا.
ويتابع أن هذه العائلات توصلت لاستنتاج بأنها لا تملك مستقبلا لها وأبنائها في إسرائيل ‘فألقتها بسلة المهملات وسافرت هربا من حياة الفقر والذل التي تلازم أوساطا واسعة خاصة المسنين’.

الجيش والاستيطان

كلام حودروف أكده عضو الكنيست عن ‘الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة’ دوف حنين، منوها بأن إسرائيل باتت ‘دولة رفاه’ على الورق فقط.
ويعلل حنين ذلك بالقول، للجزيرة نت، إن إسرائيل تكرّس مواردها للأمن وللجيش والتوسع الاستيطاني على حساب التعليم والخدمات الاجتماعية والصحية.
ويذكر بأن المظاهرات الاحتجاجية التي عصفت بإسرائيل صيف 2011 كانت تعبيرا عن حالة الضيق الملازمة لقطاع واسع من الإسرائيليين خاصة أبناء الطبقة الوسطى.
ويحمُل حنين على وزير المالية ورئيس حزب ‘عتيد’ يئير لبيد الذي يهاجم المهاجرين الإسرائيليين إلى ألمانيا، ويقول إنها خيبة أمل كبيرة بعدما انتخب بناء على برنامج تغيير. ويتابع ‘بدلا من مهاجمتهم، عليه استغلال قوته كثاني أكبر حزب ليساهم بتحويل إسرائيل لدولة أكثر عدلا ومساواة وأقل غلاء’.
وكان لبيد قد ذكّر في صفحته على فيسبوك باللاسامية وبقتل جده ويهود كثر آخرين في بودابست لأنه لم يكن لديهم دولة خاصة بهم.
وعلقت جانيت (42 سنة) إسرائيلية مقيمة في برلين على كلام لبيد بالقول إنها كانت ستعود لإسرائيل ‘برمشة عين لولا استخفاف الحكومة بسكانها وغلاء المعيشة’. وتابعت ‘عندما يصحح هذا الوضع سنعود’.
والأسباب الاقتصادية نفسها دفعت سمدار يرمياهو (28 سنة) طالبة إسرائيلية أنهت دراستها العالية بالموسيقى قبل عامين، للأخذ بنصيحة والديها والإقامة بألمانيا طمعا بحياة أفضل ومعاش لائق.

‘احتلال برلين’

وردا على سؤال الجزيرة نت، توضح يرمياهو أن الإسرائيليين ‘احتلوا برلين’ بالسنوات الأخيرة.
وتشير إيلان فايس (63 سنة) إلى أنه لا فرق بين المهاجرين الإسرائيليين اليوم أو قبل ثلاثين سنة سوى أن الهجرة لألمانيا وقتها كانت أمرا مخجلا.
فايس الذي يزور حاليا إسرائيل لعدة أسابيع يشير إلى أنه يقيم مع زوجته في برلين التي وصلها عام 1972 لدراسة هندسة الآليات.
ويقول للجزيرة نت إنه عاد لإسرائيل عام 1978 وما لبث أن استقر بألمانيا لدواع شخصية واقتصادية، وهو الآن يعمل مديرا لموقع على الشبكة العنكبوتية يقدم خدمات للإسرائيليين المهاجرين.